فصل: لقاء هدى وأتاتورك:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.وقفة مع الاتحاد النسائي:

وقد اهتمت الدوائر الأجنبية بأمر ذلك الاتحاد النسائي عند قيامه حتى أن الدكتورة ريد رئيسة الاتحاد النسائي الدولي حضرت بنفسها إلى مصر لتدرس عن كثب تطور الحركة النسائية ولتناصر الحركة بنفوذها في المحيط الأوربي وبتصريحاتها التي ترمي إلى المساعدة بإعطاء المرأة المصرية الحقوق السياسية المزعومة.
وبعد عشرين عامًا من تكوين هذا الاتحاد استطاع بالنفوذ الأجنبي وأذناب الاستعمار أن يمهد لعقد ما سمي بالمؤتمر النسائي العربي سنة 1944 م وقد حضرت مندوبات عن الأقطار العربية المختلفة واتخذت فيه القرارات المعتادة وفي مقدمتها بالطبع:
- المطالبة بالمساواة في الحقوق السياسية مع الرجل وعلى الأخص الانتخاب.
- تقييد حق الطلاق.
- الحد من سلطة الولي أيًا كان وجعلها مماثلة لسلطة الوصي.
- تقييد تعدد الزوجات إلا بإذن من القضاء في حالة العقم أو المرض غير القابل للشفاء.
- الجمع بين الجنسين في مرحلتي الطفولة والتعليم الابتدائي.
ثم في نهاية القرارات:
اقتراح: تقديم طلب بواسطة رئيسة المؤتمر إلى المجمع اللغوي في القاهرة والمجامع العلمية العربية بأن تحذف نون النسوة من اللغة العربية.
هدى شعراوي والأديان:
وطالبت هدى شعراوي في المؤتمر الثاني عشر للاتحاد النسائي الدولي في مدينة استانبول 18 إبريل 1935م بإزالة الفوارق الجنسية والدينية بين الشعوب.
ولقد احتج علماء سوريا رسميًا على حكومتهم على تمثيل بعض النساء السوريات في ذلك المؤتمر كما أصدر الملك عبد الله ملك شرق الأردن حينذاك منشورًا إلى رئيس وزرائه يلفت فيه نظره إلى حركة التمرد على الآداب والتقاليد الإسلامية ووجوب التزام المرأة بالحجاب الذي كرمها الله به.
وتجلى موقفها في هذه القضية من قبل حينما صورت في مذكراتها العلاقة بين ممثلي الأديان خلال ثورة 1919 فقالت:
.. وكان أن تآخى الجميع وصاروا يجتمعون في الكنائس والمساجد والمعابد وهم شيع مختلفة وكان الشيخ يتأبط ذراع القسيس أو الحاخام أمام عدسات المصورين ليظهروا للملأ اتحاد الجميع على الثورة ضد الإنجليز.
وفي الخطبة التي ألقتها هدى بمناسبة الاحتفال بالعيد العشرين للاتحاد النسائي قالت:
.. ومنذ ذلك اليوم- أي يوم قبلت عضوية مصر في الاتحاد النسائي الدولي- قطعنا على أنفسنا عهدًا أن نحذو حذو أخواتنا الغربيات في النهوض بجنسنا مهما كلفنا ذلك وأن نساهم بأمانة وإخلاص في تنفيذ برامج الاتحاد النسائي الدولي الذي يشمل أغراضنا المشتركة.
وهنا يطيب لي أن أذكر حادثًا كان له تأثيره عند افتتاح ذلك المؤتمر وهو إننا لما دخلنا قاعة الاجتماع قبل انعقاده ووجدنا أعلام الدول المشتركة ترفرف على جدرانها ولم نكن قد أخذنا الأهبة لذلك لعدم معرفتنا بهذا التقليد كلفنا طلاب البعثة المصرية بتحضير علم مصري يتعانق فيه الهلال والصليب فصنعوه وإذا به أكبر الأعلام الموجودة حجمًا.. ولما رأت رئيسة المؤتمر الصليب يعانق الهلال تأثرت تأثرًا عظيمًا وأمرت بوضعه على يسار المنصة معادلًا لعلم الدولة المنعقد المؤتمر بأرضها فشغل بذلك محلًا ممتازًا وقدمتنا الرئيسة عند الافتتاح بعبارات ملؤها التأثر والتقدير وكانت أكبر عامل في إزالة الفكرة الخاطئة التي شابت حركتنا الوطنية بوصفها بالتعصب الديني.
ومن الجدير بالذكر أن ثورة 19 قد استغلت تحت ستار مقاومة الاحتلال في الترويج في مفاسد خطيرة ما كانت لتجد إلى قلوب الناس سبيلًا لولا جو الثورة الذي يلهي الناس عن تدبر ما يراد بهم ومن أخطر هذه المفاسد الترويج لتحرير المرأة وتمييع قضية مولاة المؤمنين ومعاداة الكافرين تحت ستار الأخوة الوطنية بهدف محو معالم الإسلام من ضمير الأمة شيئًا فشيئًا؛ ويؤيد ذلك ما حكاه الشيخ العلامة محمد بخيت رحمه الله قال: لما قامت الحركة الوطنية عقب الحرب العظمى السابقة واتحد هؤلاء المارقون مع الأقباط ليطالبوا بالاستقلال كان مقر اجتماعهم وقطبهم الجامع الأزهر ومنه كانت تنظم المظاهرات فكان يعمر بالأقباط والقسس منهم يصعدون إلى المنبر خطباء مناوبة مع المصريين قال: وذات يوم كان المسمى مصطفى القاياتي وهو من المدرسين في الأزهر والقائل بأن سعدًا أفضل من النبي وأنه جاء بما لم يأتي به النبي وأنه رسول الوطنية كان هذا الرجل حاضرًا معهم فأخذ الصليب ووضعه في محراب الأزهر وقام- لعنه الله- خطيبًا فدعا إلى اتحاد الإسلام والنصرانية القبطية ودعا الحاضرين إلى صلاة ركعتين جميعًا مع وضع الصليب في المحراب وكبر وصلى ركعتين والصليب أمامه يصلي له ولله معًا في زعمه لعنه الله تعالى. اهـ.
ومما ينبغي أن يعلم أن الهلال علامة مهنية ترمز في عرف الناس إلى مهنة الطب، أما الصليب.
فعلامة اعتقادية تشير إلى ما يعتقده النصارى الكفرة في شأن عيسى عليه السلام فالمسلم الذي يتخذ هذه العلامة على خطر عظيم لأن في إقرارها تكذيبًا صريحًا للقرآن الذي جاء فيه قوله تعالى: {وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم} النساء (157) ولهذا لم يكن يترك في بيته شيئًا فيه تصاليب إلا نقضه. والله تعالى أعلم.

.لقاء هدى وأتاتورك:

عقد المؤتمر النسائي الدولي الثاني عشر في استانبول في 18 إبريل 1935 م وتكون من هدى شعراوي رئيسة وعضوية اثنتي عشر سيدة- وقد انتخب المؤتمر هدى نائبة لرئيسة الاتحاد النسائي الدولي تقول هدى في مذكراتها:
وبعد انتهاء مؤتمر استانبول وصلتنا دعوة لحضور الاحتفال الذي أقامه مصطفى كمال أتاتورك محرر تركيا الحديثة.. وفي الصالون المجاور لمكتبه وقفت المندوبات المدعوات على شكل نصف دائرة وبعد لحظات قليلة فتح الباب ودخل أتاتورك تحيطه هالة من الجلال والعظمة وسادنا شعور بالهيبة والإجلال، وعندما جاء دوري تحدثت إليه مباشرة من غير ترجمان وكان المنظر فريدًا أن تقف سيدة شرقية مسلمة وكيلة عن الهيئة النسائية الدولية وتلقي كلمة باللغة التركية تعبر فيها عن إعجاب وشكر سيدات مصر بحركة التحرير التي قادها في تركيا، وقلت: إن هذا المثل الأعلى من تركيا الشقيقة الكبرى للبلاد الإسلامية شجع كل بلاد الشرق على محاولة التحرر والمطالبة بحقوق المرأة، وقلت: إذا كان الأتراك قد اعتبروك عن جدارة أباهم وأسموك أتاتورك فأنا أقول إن هذا لا يكفي بل أنت بالنسبة لنا أتاشرق فتأثر كثيرًا بهذا الكلام الذي تفردت به ولم يصدر معناه عن أي رئيسة وفد وشكرني كثيرًا في تأثر بالغ ثم رجوته في إهدائنا صورة لفخامته لنشرها في مجلة الإجيبسيان.
وذكرت هدى في حديث لها مع جريدة المقطم بعد عودتها إلى مصر ما معناه: إن ما أحدثه الغازي العظيم بلا ريب من نعمة الأقدار على أخواتنا في استانبول.

.سيزا نبراوي:

تقول في مذكراتها:
وعندما عدت من الخارج حيث عشت حتى بلغت الثامنة عشرة من عمري كنت متحررة متحمسة ولهذا رفضت لبس البرقع وأصررت على لبس القبعة وبحكم الصداقة التي كانت بين والدتي وبين هدى شعراوي أخذت تهدئ من ثورتي وتقنعني بأن الظروف غير مواتية للحصول على حقوق المرأة مرة واحدة وأن المطالبة بها في هدوء يجنبنا ثورة الرجال الذين كانوا كل شيء في ذلك الوقت ولما تقدم الفنان مصطفى نجيب للزواج منها قالت: إنها لا تستطيع أن ترتبط بحياة يكون من حق أحد طرفيها فقط أن يتخلى عن التزامه فيها بالطلاق في أي وقت يشاء فتزوجها على أن تكون العصمة في يدها ولم يدم الزواج أكثر من أربع سنوات.
وفي أثناء مرور غاندي بمصر عائدًا إلى الهند بعد حضوره مؤتمر المائدة المستديرة بلندن في ديسمبر 1931 م فكرت الهيئات في إرسال وفود عنها لتحيته والتعبير عن مشاعر المصريين نحوه وقد سافر محمود فهمي النقراشي مندوبًا عن الوفد، والآنسة سيزا نبراوي مندوبة عن الاتحاد النسائي وقد طلبت منه سيزا أن يوجه كلمة للسيدات المصريات فكتب بالإنكليزية ما ترجمته بالعربية: أرجو أن تلعب الأخت المصرية نفس الدور الذي تلعبه أخواتها الهنديات في حركة تحرير أراضيهم المحترمة لأني أعتقد أن عدم القسوة هو امتياز المرأة. اهـ.
ومن الجدير بالذكر أن غاندي هذا كان هندوسيًا وثنيًا كارهًا للإسلام ومتعصبًا ضد المسلمين وكان يخفي وثنيته البغيضة وراء المغزل والشاة وهو الذي سرق الحركة الإسلامية من الزعماء المسلمين بالخيانة والتآمر مع الاستعمار الإنكليزي فسيقوا إلى السجن وسحب غاندي الحركة الوطنية من أيديهم واستعان ببريطانيا من أجل تحويل المسلمين في الهند إلى أقلية وقد كان للمسلمين قوة بلغت حدًا جعل الحكومة التي صارت تقبض على ألف مسلم في الصباح تطلقهم في المساء بسبب أن السجون لم تعد تسع المعتقلين وخطب اللورد ريدنج الحاكم العام في كلكتا فقال:
إنني شديد الحيرة من جراء هذه الحركة ولست أدري ماذا أصنع فيها؟ فلا تغتر أيها المسلم بهذا الوثني الذي يحرص أعداء الإسلام على أن يرسموا له صورة مزخرفة تخفي جرائمه في حق الإسلام والمسلمين وتنبه لخطر القومية النسائية التي تجعل المسلمة الموحدة أختًا للهندية المشركة.

.درية شفيق.. المرأة الغامضة:

وبعد ظهر يوم 20 سبتمبر 1975م عدت إلى بيتي بعد أن تناولت الغداء في أحد الفنادق وفي ردهة العمارة رأيت جمعًا من الناس يلتف حول ملاءة بيضاء وسألت: ماذا حدث؟
قالوا: إن سيدة ألقت بنفسها من شرفة الطابق السادس ورفعت الملاءة البيضاء ووجدت جثة جارتي درية شفيق.
تلميذة وفية من تلميذات لطفي السيد رحلت وحدها- بمجرد تخرجها- إلى فرنسا لتحصل على الدكتوراة ثم تعود لتشكل حزب بنت النيل ثم ترحل إلى إنكلترا حيث تقابل بحفاوة بالغة قيل أنه لم ينل مثلها كثير من رؤساء الدول وزعمائها ورحبت بها الصحف البريطانية بدون استثناء ونشرت عنها الأحاديث العديدة التي تصورها بصورة الداعية الكبرى إلى تحرير المرأة المصرية من أغلال الإسلام وتقاليده.. أغلال الحجاب والطلاق وتعدد الزوجات، ومن هذه الأحاديث ما كتبه مراسل جريدة ال سكتشمان يقول: إن الأهداف المباشرة لحزب بنت النيل هي كما أوضحتها الدكتورة درية شفيق: منح المرأة حق الاقتراع وحق دخول البرلمان والمطمع الثاني الذي تهدف الدكتورة لتحقيقه هو إلغاء تعدد الزوجات وإدخال قوانين الطلاق الأوربية في مصر. اهـ.
ولما عادت إلى مصر عظم نشاطها وتوفرت لها أسباب الحماية والحرية وتهيأت لها عوامل النشر والإذاعة حتى لقد حيل بين أهل الرأي ودعاة الدين وحماته وبين الرد على دعوتها التي وصفتها هي نفسها بأنها تريد للمرأة حقًا في الحرية الحرة المطلقة من كل قيد.
وبلغ التوتر مبلغه ونهض علماء الدين ودعاة الفضيلة والأخلاق على قلب رجل واحد يجابهون الاستعمار في شخص هذه المرأة أمام أعظم حصن من حصون الإسلام وهو الأسرة المسلمة ووقف الاستعمار بأمواله ونفوذه.
وانكشف بعض المستور حين قدمت إحدى عضوات مجلس إدارة الحزب استقالة مسببة ما لبثت أن قبلتها الرئيسة دون عرضها على مجلس الإدارة وكم كانت الدهشة كبيرة حين علم أنه قد حيل بين كثير من الصحف وبين نشر سبب الاستقالة حتى فوجئ الشعب بأن السبب هو أن السفارة الإنكليزية والسفارة الأمريكية تمدان الحزب بألفين من الجنيهات سنويًا عدا الورق المصقول وغيره فضلًا عن تقديم المشورة والتوجيه.
وقد أشادت درية شفيق بجهود طه حسين بك ومدرسته من أصدقائه وتلامذته في القضاء على ما أسمته التقاليد السخيفة حتى أخذ الناس بفضلها يتسابقون في تحرير بناتهم ثم تقول:
وكان من نتيجة هذه الجهود مجتمعة أن تيسر تحقيق حلم الخديوي إسماعيل القديم وهو اعتبار مصر جزءًا من أوربا.
وهي تعتبر أن الخديوي إسماعيل كان ضرورة لمصر ليطفر بها من الخمول واليأس إلى النضوج والاستواء وتقيم أدلتها الدامغة! على ذلك فتقول:
ترقت الحياة في عهد إسماعيل فشهدت قصوره حياة اجتماعية لم تعرف في مصر الحديثة شهدت قصوره الحفلات الراقصة وشهد عصره أذواق الملابس الجديدة حتى ألوان الطعام تنوعت ودخل فيها جديد.
ثم تتحدث عن اكتشاف تاريخي خطير قائلة:
وقد حدثتنا الوثائق المكتشفة أخيرًا أنه اشترك لزوجاته وسيدات أسرته في سبع مجلات للموضة فكانت نماذج الأزياء في مصر والشرق العربي تخرج من قصوره، ثم تقول:
وهذه العناية بشئون النساء- وإن كانت خاصة- إلا أن ورائها قلبًا كبيرًا يعرف للمرأة حقها ونوايا طيبة بدأ أثرها في خلال عصره الزاهر.
وهذه المرأة هي التي قادت مظاهرة الجامعة الأمريكية في إبريل سنة 1951م بتحريض من وزير الشئون الاجتماعية البريطانية سمر سكيل حين اجتمعت به في مصر وقادت الإضراب عن الطعام والاعتصام بنقابة الصحافيين في 12 مارس 1954م مطالبة بحقوق المرأة المزعومة.